الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البحر المحيط في تفسير القرآن العظيم (نسخة منقحة)
وقال الزمخشري: في جواب الفضيل، وهذا على سبيل الاعتراف بالخطأ. بالاغترار: بالستر، وليس باعتذار كما يظنه الطماع، ويظن به قصاص الحشوية، ويروون عن أئمتهم إنما قال: {بربك الكريم} دون سائر صفاته، ليلقن عبده الجواب حتى يقول: غرني كونه الكريم. انتهى. وهو عادته في الطعن على أهل السنة. {فسواك}: جعلك سوياً في أعضائك، {فعدلك}: صيرك معتدلاً متناسب الخلق من غير تفاوت. وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد وطلحة والأعمش وعيسى وأبو جعفر والكوفيون: بخف الدال؛ وباقي السبعة: بشدها. وقراءة التخفيف إما أن تكون كقراءة التشديد، أي عدل بعض أعضائك ببعض حتى اعتدلت، وإما أن يكون معناه فصرفك.يقال: عدله عن الطريق: أي عدلك عن خلقة غيرك إلى خلقة حسنة مفارقة لسائر الخلق، أو فعدلك إلى بعض الأشكال والهيئات. والظاهر أن قوله:.{في أي صورة} يتعلق بربك، أي وضعك في صورة اقتضتها مشيئة من حسن وطول وذكورة، وشبه ببعض الأقارب أو مقابل ذلك. وما زائدة، وشاء في موضع الصفة لصورة، ولم يعطف {ركبك} بالفاء كالذي قبله، لأنه بيان لعدلك، وكون في أي صورة متعلقاً بربك هو قول الجمهور. وقيل: يتعلق بمحذوف، أي ركبك حاصلاً في بعض الصور. وقال بعض المتأولين: إنه يتعلق بقوله: {فعدلك}، أي: لك في صورة، أي صورة؛ وأي تقتضي التعجيب والتعظيم، فلم يجعلك في صورة خنزير أو حمار؛ وعلى هذا تكون ما منصوبة بشاء، كأنه قال: أي تركيب حسن شاء ركبك، والتركيب: التأليف وجمع شيء إلى شيء. وأدغم خارجة عن نافع ركبك كلا، كأبي عمرو في إدغامه الكبير. وكلا: ردع وزجر لما دل عليه ما قبله من اغترارهم بالله تعالى، أو لما دل عليه ما بعد كلا من تكذيبهم بيوم الجزاء والدين أو شريعة الإسلام. وقرأ الجمهور: {بل تكذبون} بالتاء، خطاباً للكفار؛ والحسن وأبو جعفر وشيبة وأبو بشر: بياء الغيبة.{وإن عليكم لحافظين}: استئناف إخبار، أي عليهم من يحفظ أعمالهم ويضبطها. ويظهر أنها جملة حالية، والواو واو الحال، أي تكذبون بيوم الجزاء. والكاتبون: الحفظة يضبطون أعمالكم لأن تجازوا عليها، وفي تعظيم الكتبة بالثناء عليهم تعظيم لأمر الجزاء. وقرأ الجمهور: {يصلونها}، مضارع صلى مخففاً؛ وابن مقسم: مشدّداً مبنياً للمفعول. {يعلمون ما تفعلون}، فيكتبون ما تعلق به الجزاء. قال الحسن: يعلمون ما ظهر دون حديث النفس. وقال سفيان: إذا هم العبد بالحسنة أو السيئة، وجد الكاتبان ريحها. وقال الحسين بن الفضل: حيث قال يعلمون ولم يقل يكتبون دل على أنه لا يكتب الجميع فيخرج عنه السهو والخطأ وما لا تبعة فيه. {وما هم عنها بغائبين}: أي عن الجحيم، أي لا يمكنهم الغيبة، كقوله: {وما هم بخارجين من النار} وقيل: إنهم مشاهدوها في البرزخ. لما أخبر عن صلبهم يوم القيامة، أخبر بانتفاء غيبتهم عنها قبل الصلي، أي يرون مقاعدهم من النار.{وما أدراك}: تعظيم لهول ذلك اليوم. وقرأ ابن أبي إسحاق وعيسى وابن جندب وابن كثير وأبو عمرو: {يوم لا تملك} برفع الميم، أي هو يوم، وأجاز الزمخشري فيه أن يكون بدلاً مما قبله. وقرأ محبوب عن أبي عمرو: يوم لا تملك على التنكير منوناً مرفوعاً فكه عن الإضافة وارتفاعه على هو يوم، ولا تملك جملة في موضع الصفة، والعائد محذوف، أي لا تملك فيه. وقرأ زيد بن علي والحسن وأبو جعفر وشيبة والأعرج وباقي السبعة: يوم بالفتح على الظرف، فعند البصريين هي حركة إعراب، وعند الكوفيين يجوز أن تكون حركة بناء، وهو على التقديرين في موضع رفع خبر المحذوف تقديره: الجزاء يوم لا تملك، أو في موضع نصب على الظرف، أي يدانون يوم لا تملك، أو على أنه مفعول به، أي اذكر يوم لا تملك.ويجوز على رأي من يجيز بناءه أن يكون في موضع رفع خبر المبتدأ محذوف تقديره: هو. {يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً}: عام كقوله: {فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعاً ولا ضراً} وقال مقاتل: لنفس كافرة شيئاً من المنفعة. {والأمر يومئذ لله}، قال قتادة: وكذلك هو اليوم، لكنه هناك لا يدعي أحد منازعة، ولا يمكن هو أحداً مما كان ملكه في الدنيا.
وقال الزمخشري: فإن قلت: {ما سجين}، أصفة هو أم اسم؟ قلت: بل هو اسم علم منقول من وصف كحاتم، وهو منصرف لأنه ليس فيه إلا سبب واحد وهو التعريف. انتهى. وكان قد قدم أنه كتاب جامع، وهو ديوان الشر، دوّن الله فيه أعمال الشياطين وأعمال الكفرة والفسقة من الجن والإنس، وهو: {كتاب مرقوم}: مسطور بين الكتابة، أو معلم يعلم من رآه أنه لا خير فيه، والمعنى: أن ما كتب من أعمال الفجار مثبت في ذلك الديوان. انتهى. واختلفوا في سجين إذا كان مكاناً اختلافاً مضطرباً حذفنا ذكره. والظاهر أن سجيناً هو كتاب، ولذلك أبدل منه {كتاب مرقوم}. وقال عكرمة: سجين عبارة عن الخسار والهوان، كما تقول: بلغ فلان الحضيض إذا صار في غاية الجمود. وقال بعض اللغويين: سجين، نونه بدل من لام، وهو من السجيل، فتلخص من أقوالهم أن سجين نونه أصلية، أو بدل من لام. وإذا كانت أصلية، فاشتقاقه من السجن. وقيل: هو مكان، فيكون {كتاب مرقوم} خبر مبتدأ محذوف، أي هو كتاب. وعني بالضمير عوده على {كتاب الفجار}، أو على {سجين} على حذف، أي هو محل {كتاب مرقوم}، و{كتاب مرقوم} تفسير له على جهة البدل أو خبر مبتدأ. والضمير المقدر الذي هو عائد على {سجين}، أو كناية عن الخسار والهوان، هل هو صفة أو علم؟ {وما أدراك ما سجين}: أي ليس ذلك مما كنت تعلم. مرقوم: أي مثبت كالرقم لا يبلى ولا يمحى. قال قتادة: رقم لهم: بشر، لا يزاد فيهم أحد ولا ينقص منهم أحد. وقال ابن عباس والضحاك: مرقوم: مختوم بلغة حمير، وأصل الرقم الكتابة، ومنه قول الشاعر: وتبين من الإعراب السابق أن {كتاب مرقوم} بدل أو خبر مبتدأ محذوف. وكان ابن عطية قد قال: إن سجيناً موضع ساجن على قول الجمهور، وعبارة عن الخسار على قول عكرمة، من قال: {كتاب مرقوم}.من قال بالقول الأول في سجين، فكتاب مرتفع عنده على خبر إن، والظرف الذي هو {لفي سجين} ملغى. ومن قال في سجين بالقول الثاني، فكتاب مرقوم على خبر ابتداء مضمر التقدير هو {كتاب مرقوم}، ويكون هذا الكتاب مفسراً لسجين ما هو. انتهى. فقوله: والظرف الذي هو {لفي سجين} ملغى قول لا يصح، لأن اللام التي في {لَفِى سِجّينٍ} داخلة على الخبر، وإذا كانت داخلة على الخبر، فلا إلغاء في الجار والمجرور، بل هو الخبر. ولا جائز أن تكون هذه اللام دخلت في {لفي سجين} على فضلة هي معمولة للخبر أو لصفة الخبر، فيكون الجار والمجرور ملغى لا خبراً، لأن كتاب موصوف بمرقوم فلا يعمل، ولأن مرقوماً الذي هو صفة لكتاب لا يجوز أن تدخل اللام في معموله، ولا يجوز أن يتقدم معموله على الموصوف، فتعين بهذا أن قوله: {لفي سجين} هو خبر إن.{الذين يكذبون}: صفة ذم، {كل معتد}: متجاوز الحد، {أثيم}: صفة مبالغة. وقرأ الجمهور: {إذا}؛ والحسن: أئذا بهمزة الاستفهام. والجمهور: {تتلى} بتاء التأنيث؛ وأبو حيوة وابن مقسم: بالياء. قيل: ونزلت في النضر بن الحرث. {بل ران}، قرئ بإدغام اللام في الراء، وبالإظهار وقف حمزة على بل وقفاً خفيفاً يسير التبيين الإظهار. وقال أبو جعفر بن الباذش: وأجمعوا، يعني القراء، على إدغام اللام في الراء إلا ما كان من سكت حفص على بل، ثم يقول: {ران}، وهذا الذي ذكره ليس كما ذكر من الإجماع. ففي كتاب اللوامح عن قالون: من جميع طرقه إظهار اللام عند الراء، نحو قوله: {بل رفعه الله إليه} {بل ربكم} وفي كتاب ابن عطية، وقرأ نافع: {بل ران} غير مدغم، وفيه أيضاً: وقرأ نافع أيضاً بالإدغام والإمالة. وقال سيبويه: اللام مع الراء نحو: أسفل رحمه البيان والإدغام حسنان. وقال الزمخشري: وقرى بإدغام اللام في الراء، وبالإظهار والإدغام أجود، وأميلت الألف وفخمت. انتهى. وقال سيبويه: فإذا كانت، يعني اللام، غير لام المعرفة، نحو لام هل وبل، فإن الإدغام في بعضها أحسن، وذلك نحو: هل رأيت؟ فإن لم تدغم فقلت: هل رأيت؟ فهي لغة لأهل الحجاز، وهي غريبة جائزة. انتهى. وقال الحسن والسدي: هو الذنب على الذنب. وقال الحسن: حتى يموت قلبه. وقال السدي: حتى يسود القلب. وفي الحديث نحو من هذا. فقال الكلبي: طبع على قلوبهم. وقال ابن سلام: غطى. {ما كانوا يكسبون}، قال ابن عطية: وعلق اللوم بهم فيما كسبوه، وإن كان ذلك بخلق منه تعالى واختراع، لأن الثواب والعقاب متعلقان بكسب العبد. والضمير في قوله: {أنهم}، فمن قال بالرؤية، وهو قول أهل السنة، قال إن هؤلاء لا يرون ربهم، فهم محجوبون عنه.
|